Saturday, October 30, 2010

زيادة الإيمان ونقصانه و الخ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات و أشهد أن لا اله الا الله و حده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ولقد أدي الرسالة و بلغ الأمانة و نصح الأمة و تركها على المحجة البيضاء ليالها كنهارها و السلام على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
<< استعن بالله ثم أجب عما يأتي :
بين مذاهب أهل العلم في زيادة الإيمان ونقصانه؟ وما معنى قول النبي في حديث جبريل " أن تلد الأمة ربتها"؟
وما رأيك فيمن يقول إن الإسلام انتشر بالسيف من خلال قوله ـ صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " ؟ >>
بين مذاهب أهل العلم في زيادة الإيمان ونقصانه؟
ولقد اختلف العلماء من أهل السنّة في زيادة الإيمان ونقصه إلى ثلاثة آراء رئيسة :
1. أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص
لأنّه حقيقة في التصديق، فإذا صدّق المرء لم يصحّ أن يكون مكذّبًا
فكلّ واحدٍ إمّا أن يُصدّق أو لا، فإذا صدّق فهو مؤمن، وإذا لم يُصدّق فهو غير مؤمن ولا يُقبل القول بزيادة الإيمان ونقصه.
2. أنّ الإيمان يزيد ولا ينقص
وهؤلاء يقولون "إنّ الله سبحانه ذكر في مواضع من القرآن زيادة الإيمان لكنّه لم يذكر له نقصًا كما قال الله سبحانه: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا)، وقوله سبحانه: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)، وقوله عزّ وجلّ أيضا: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِ)، وقوله سبحانه في مكان أخر: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ)، وقوله عزّ وجلّ: (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا) .
وهذه الآيات تدلّ كلّها على أنّ الإيمان يزيد، ولم يرد فيها ذكر كونه ينقص أم لا، وإذا لم يكن واردًا فالأصل عدم إثباته، وقد استدلّ هؤلاء على عدم جواز القول بنقصان الإيمان بأنّ نقصانه كفر،
وقد روي هذا القول عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى 1.
3. أن الإيمان يزيد وينقص
فقد يكون إيمان المرء كاملاً ثمّ ينقص، أو وقد يكون ناقصًا ثمّ يزديد و يكمل، وهذا قول عامّة العلماء، وهؤلاء قد نظروا إلى أنّ الراجح أنّ الإيمان قول وعمل، فيدخل في التصديق العمل بما صدّقت به
وخلاصة المسألة : أنّ الخلاف يقرُب أن يكون لفظيًّا لا حقيقيًّا، (1) فأكثر الذين قالوا: إنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص، لأنهم قالوا: إنّ حقيقة الإيمان وهي التصديق لا تقبل الزيادة والنقصان، (2) وأكثر الذين قالوا: إنّه يزيد وينقص، لأنهم قالوا: إنه يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، لا أنّ التصديق في ذاته يقلّ ويزداد. والله أعلم .
و الراجح ان شآ الله هو القول الجمهور وهو أن الإيمان يزيد وينقص. ولماذا أميل الى هذا القول؟ و الاجابة هي كما تالي:
إيماننا يزيدُ بالطاعات ونقصه يكونُ بالزلاتِ
(أ‌) وعلى هذا ترجم البخاري في كتابه ، فقال في جامعه : ( كتاب الإيمان ؛ باب قولِ النبي صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس " وهو قول وفعل ، يزيد وينقص ، قال تعالى : { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } ، وقال تعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } ، { ويزيد الذين اهتدوا هدى } ، { ويزداد الذين آمنوا إيمانا } ، وقوله تعالى : { وما زادهم إلا إيمانا وتسليما } ) 2
(ب‌) وقال الترمذي رحمه الله : ( باب في استكمال الإيمان والزيادة والنقصان ) وساق فيه حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله )) 3
(ت‌) وحديث : (( يا معشر النساء تصدقن ...)) وهو في الصحيحين ، والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب وذوي الرأي منكن )) 4
(ث‌) وذكر حديث ابي هريرة - وهو في الصحيحين أيضا - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الإيمان بضع وسبعون باباً ، فأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، وأرفعها قول " لا إله إلا الله " )) وهذا لفظ الترمذي ، وقال : ( حسن صحيح ) ولفظه : (( بضع وستون )) ، ولمسلم رواية : (( بضع وسبعون )) ، لكن قالا " شعبة " بدل " بابا " 5
(ج‌) قال مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى : ( … عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة الاسيدي قال - وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال : قلت : نافق حنظلة ، قال : سبحان الله ! ما تقول ؟ ، قال : قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا نراها رأي العين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والصّغار ، فنسينا كثيرا ، قال أبو بكر رضي الله عنه : فوالله إنا لنلقي مثل هذا ، فانطلقت أنا وابو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : نافق حنظلة يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( وما ذاك ؟ )) قلت : يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا نراها رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، نسينا كثيرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فُرشِكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة )) ثلاث مرات 6 عن حنظلة قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظنا ، فذكر النار ، قال : ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة ، قال : فخرجت فلقيت أبا بكر ، فذكرت ذلك له ، قال : وأنا قد فعلت مثل ما تذكر ، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يار سول الله نافق حنظلة ، فقال : (( مه ؟ ! )) ، فحدثته بالحديث ، فقال أبو بكر : وأنا قد فعلت مثل ما فعل ، فقال : (( يا حنظلة ساعة وساعة ، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق )) . ومن طريق ثالث : ( فذكرنا الجنة والنار .. الحديث ) 6
وما معنى قول النبي في حديث جبريل " أن تلد الأمة ربتها"؟
قد اختلف العلماء في تفسير هذه الجملة " أن تلد الأمة ربتها" الى أقوال كثير و منها بما شرحها فضيلة الشيخ عطية صقر كما يلي :
· قال الأكثرون من العلماء : هو إخبار عن كثرة السرارى - الإماء - وأولادهن. فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها ، لأن مال الإنسان صائر إلى ولده ، وقد يتصرف فيه فى الحال تصرف المالكين إما بتصريح أبيه له بالإذن ، وإما بما يعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال
· وقيل : معناه أن الإماء يلدن الملوك ، فتكون أمة من جملة رعيته ، وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته ، وهذا قول إبراهيم الحربى
· وقيل : معناه أنه تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد فى آخر الزمان - وبيعهن حرام - فيكثر تردادها فى أيدى المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدرى
يقول النووى بعد سرد هذه الأقوال : إن هناك أقوالا أخرى غير ما ذكرناه ، ولكنها أقوال ضعيفة جدًّا أو فاسدة فتركتها
وما رأيك فيمن يقول إن الإسلام انتشر بالسيف من خلال قوله ـ صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "
قبل أن نبدأ النقاش في هذا الموضوع لا بد علينا أن نعرف بأن هذا الحديث صحيح معروف كما نجيد في صحيحين 7 . و لقد زعم بعض المسلمين أن القتال فرض و وجب على كل مسلم أن أقاتل الكفار و المشركين على الاطلاق و ليس هاك صلح بين فريقتين الا بالايمان. و ثم في أقصى الناحية الأخرى وجدنا المستشرقين يزعمون أن الاسلام قد انتشر بالسيف أو بالقتال فقط و أن الاسلام لا يعترف الأمن و الصلح و السلام مع الناس من الأديان الأخرى. و هذان القولان ليسا بصحيح.
و المراد بهذا الحديث هو : (1) أن يكون العمل بالظواهر فإذا شهد إنسانا أن لا اله الا الله و أن محمد رسول الله و أقام الصلاة و آتى الزكاة, عصم دمه وماله و حسابه على الله فليس لنا إلا الظاهر ؛ (2) كان إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله و ذكر الحديث و فيه أنهم إذا أرادوا الجزية فاقبلها و كف عنهم. وعلى هذا فيقاتل الكفار إلى غايتين: إما أن يسلموا و إما أن يعطوا الجزية. و القتال بأمر لأولى الأمر و ليس على شخص واحد أو مجموعة المعيينة أن يبدأ بالقتال ؛ (3) و الكلمة (أمرت) هو دليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم عبد مأمور مكلف يؤمر و ينهى سائر الناس و ليس له شيئا من حقوق الربوبية ؛ (4) يقاتل من امتنع عن واحدة من هذه الأربع: من شهادة أن لا اله الا الله و أن محمد رسول الله و أقام الصلاة و آتى الزكاة.
و هذا الحديث ليس بأمر القتال على كل الناس غير المسلمين على الاطلاق بل هناك الأدلة الكثيرة بأن الدعوة الاسلامية ليس بالقتال فحسب. و القتال عنده مكانه و دوره في الدععوة. و هذا النوع من الجهاد عنده وظائف مهمة و منها : (1) الدفاع عن القوات الخارجية الأخري التي تريد أن تهلك نور الاسلام و (2) حماية و عصم و وقاية نفوس المسلم و أموالهم من عدو و خصم و (3) اقامة الشريعة الاسلامية مثل الزكاة كما فعل أبو بكر رضي الله عنه و (4) و يفتح البلاد الأخرى لاقبال الدعوة الاسلامية.
و علينا أن نفهم أن القتال جزء من أسباب انتشار الاسلام الى العالم. و لقد رأينا الاسلام قد انتشر الى كثير من البلاد و المدن بالقتال أحيانا و بدون القتال في كثير من الوقت. و المثال جاء الاسلام الى ماليزيا و اندونيسيا و الصين دون القتال. و أيضا ليس هناك الاجبار لغير المسلم أن يسلم بعد فتح مصر و ما حدثت أي المشكلة بينهم و المسلمين منذ فتح مصر حتى الآن.
و لماذا المستشرقون خاصة النصرنيون يصبغون انتشار الاسلام بدهان السيف و الاجبار؟ لأن كثير من النصرنيون اسلموا فصار عددهم ينقص و لكن ليس هناك من المسلمين خرجوا من الاسلام الا قليل. فلهذا هم يقدمون هذا الوجه من الدعوة الاسلامية دون النظر الى الأسباب الرئيسية لانتشار الاسلام.
إذن أخير الكلام: انتشر الاسلام غالبا ليس بالقتال أو بالسيف ولكن القتال عنده دوره الخاص في الدعوة الاسلامية و لا يجوز أن يقول (1) أن انتشار الاسلام بالسيف و (2) القتال ليس هناك الدور في الدعوة الاسلامية.
أبو حنظلة محمد زهري بن كثير السنغافوري

1. (السنة للخلال 3/592)
2. (صحيح البخاري 1/45)
3. الترمذي ( ح2612)
4. البخاري2/448
5. الترمذي ح2614-والبخاري1/51- ومسلم ح35
6. مسلم ح 2750
7. البجاري في الايمان (25) ؛ مسلم في الايمان (33,32) ؛ أحمد (2/345,423) ؛ البخاري في الزكاة (1399) ؛ ابن ماجه في الفتن (3927, 3928)
 

No comments:

Post a Comment