Monday, March 26, 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات و أشهد أن لا اله الا الله و حده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ولقد أدي الرسالة و بلغ الأمانة و نصح الأمة و تركها على المحجة البيضاء ليالها كنهارها و السلام على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين



علم القراءات من العلوم التي يحتاج إليها الفقيه في استنباطه للأحكام، تحدث عن أثر القراءات في ذلك؟



فقد اختلف الفقهاء في كثير من المسائل الفقهية لكن اختلافهم لم يكن مبنيا على هوى في النفوس و لم يكن كذلك حبا في الخلاف. و لا بد علينا أن نتكلم عن أسباب اختلاف الفقهاء و نعرفها. و تعود أسباب اختلاف الفقهاء الى التالية:

التفاوت في الحصيلة العلمية

التفاوت في الإحاطة بعلوم اللغة العربية

الاختلاف في مدى حجية بعض المصادر الفقهية

الاختلاف في الشروط التي يجب توافرها في الحديث الصحيح الذي يجوز الاحتجاج به

الاختلاف في القواعد الأصولية

الاختلاف بسبب تعارض الأدلة

الاختلاف في القراءات في القرآن الكريم، وهو ما سنعرض له في هذه المنتدى القصيرة بإذن الله تعالى



و كما عرفنا بأن القراءاة الشاذة ليس بالقرآن. ثم قال الإمام القسطلاني - رحمه الله- : وقد أجمع الأصوليون و الفقهاء و غيرهم على أن الشاذ ليس بقرآن؛ لعدم صدق حد القرآن عليه أو شرطه وهو التواتر, صرح بذلك الغزالي و ابن الحاجب و القاضي عضد الدين و النووي و السخاوي في (جمال القراء) و الجمهور على تحريم القرآءة بالشاذ و أنه إن قرأ بها غير معتقد أنه قرآن ولا يوهم أحدا بذلك بل لما فيه من الأحكام الشرعية عند من يحتج بها أو الأحكام الأدبية؛ فلا كلام في جواز قراءتها و على هذا يحمل كل من قرأ بها من المتقدمين.



و قال ابن الصلاح في فتاويه: وهو ممنوع من القراءة بما زاد على العشر منع تحريم لا منع كراهة, في الصلاة و خارجها. عرف المعنى أم لا, و يحب على كل أحد إنكاره, و ممن أسر عليه و حب منعه و تعزيره بالحبس و غيره و على الممكن من ذلك ألا يهمله.

الاحتجاج بشواذ القراءات في الأحكام الفقهية



و قال البيلي : و لم يتفق أئمة الفقه على اتخاذ القراءات الشاذة دليلا في مجال الأحكام الفقهية, فقد ذهب أبو حنيفة -رحمه الله- و أصحاب المذهب الإباضي إلى جواز الاستدلال بالقراءة الشاذة في مباحث الأحكام الفقهية و رأوا أنها بمنزلة خبر الواحد العدل, وقالوا: ((فصيام ثلاثة أيام متتابعات)) ووافق أبا حنيفة فيما ذهب إليه الروياني و الرافعي, ولذا أوجبوا تتابع الصوم في كفارة اليمين



و ظاهر كلام الإمام الشافعي -رحمه الله- عدم الاستدلال بالقراءة الشاذة في الأحكام الشرعية فليس عنده بمنزلة خبر الواحد العدل لأن إجماع الصحابة على عدم كتابتها في المصاحف العثمانية, دليل على أنها ليس قرآنا و لذا لم يوجب تتابع الصوم في كفارة اليمين. وذهب إلى عدم الاحتجاج بها أيضا ابن الحاجب من المالكية و ذهب الحنابلة -كما ورد في"روضة الناظر" للامام ابن قدامة - في الصحيح إلى أن القراءة الشاذة دليل تبنى عليه الأحكام الفقهية.



الخلاصة: إن هناك خلافا بين الفقهاء في الاستدلال بالقراءة الشاذة على الأحكام الفقهية. و الراجح ان شآء الله الاقتصار على الثابت في المصحف الشريف , والله أعلم.



و حي بنا أن ننظر الي بعض المسائل الفقهية و نتعامل معها و نرى أثر القراءات على هذه المسائل الفقهية.



فرض الرجلين في الوضوء



قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قُمتُم إلى ال ّ صلاِة فاغْسِلوا وُجُوهَكُم وأيدي َكُم إلى المراِفق وامْسحُوا بِرؤوِسكم

وأرجُلَكُم إلى الكَعَبين}



فقد ترددت القراءات في كلمة "وأرجلكم" بين فتح اللام و ضمها و كسرها.

أرجلُكم - بالضم : قرأها الحسن البصري عن نافع, و الأعمش

أرجلِكم - بالكسر: قرأها ابن كثير و حمزة و أبو عمرو و عاصم برواية شعبة

أرجلَكم - بالفتح : قرأها حفص عن عاصم و الباقون



و من هذه القراءات المختلفة, اختلف الفقهاء في (1) فرض الرجلين في الوضوء, (2) هل هو الغسل أم المسح أم هل هو معا؟, (3) أم هل أن المكلف مخير بين و احد منها؟...هذا مع اتفاقهم جميعا على أن الرجلين من أعضاء الوضوء.



الواجب هو الغسل: و ذهب جمهور العلماء و منها الحنفية و المالكية و الشافية و الحنابلة و ابن حزم الظاهري الي هذا القول, و هو مروي عن عكرمة و ابن عباس و علي و ابن مسعود و غير ذلك من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.

الواجب هو المسح: و ذهبت اليه الشيعة الإمامية و هو مروي عن جماعة من أهل الحجاز ة العراق, منهم علي و ابن عباس و عكرمة و أنس بن مالك و الشعبي و قتادة.



مخير بين الغسل و المسح: و قال محمد بن جرير الطبري أن المكلف مخير بين الغسل و المسح لكنه يرى في المسح وجوب استيعاب القدمين بالماء. و روي أيضا من الحسن البصري و داود الظاهري. و قد استدل هولاء بأن القراءتين قد ثبت كل منهما قرآنا و تعذر الجمع بين موجبيهما و هو وجوب المسح و الغسل...و ان شاء المكلف عمل بقراءة النصب فغسل و ان شاء عمل بقراءة الخفض فمسح و أيهما فعل يكون إتيانا بالمفروض كما في الأمر بأحد الأشياء الثلاثة.



القراءة بالرفع؟ هذه القراءة شبهة للقائلين بالتخيير باعتبار أن الخبر يحتمل أن يكون مغسولة أو ممسوحة.



حكم التتابع في قضاء رمضان



فال الله نعالى : {أياماً َمْعدُودَات فَمن كان َمريضَاً أو على َسفَرٍ فِعدَّة ِمنْ أَّيامٍ أَخرٍ}

فقد روي عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها "فعدة من أيام أخر متتابعات"

و قرأ الجمهور " فعدة من أيام أخر" دون متتابعات.



و قد اختلف الفقهاء في حكم التتابع في قضاء رمضان:

ذهب الحنفية و المالكية و الشافية و الحنابلة الى استحباب التتابع و عدم وجوبه, و هو قول ابن عباس و أنس بن مالك و أبي هريرة و أبي قلابة و مجاهد و الثوري و الأوزاعي. و دليلهم على أن التتابع مستحب فهو ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه" [سنن الدارقطني و السنن الكبرى للبيهقي], و لأن في مبادرة إلى أداء الفرض و لأن ذلك أشبه بالأداء و أولوا قراءة التتابع بأنها كانت أو لا ثم نسخت.

و ذهب قوم إلى وجوب التتابع وروي ذلك عن علي و ابن عمر و عائشة-رضي الله عنهم- و بعض أهل الظاهر. و ااحتجوا بقراءة "فعدة من أيام أخر متتابعات" و قد ذكر أن التتابع قراءة أبي بن كعب.



و الراجح ان شآء الله هو القول الأول و هو أن التتابع مستحب و ليس بواجب, و أن القراءة التي اعتمد عليها من قال بالواجب فهي منسوخة كما قالت عائشة رضي الله عنها : "نزلت "فعدة من أيام أخر متتابعات" فسقطت "متتابعات" [السنن الكبرى للبيهقي في كتاب الصيام في باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا].



حكم وطء الحائض بعد انقطاع الحيض و قبل الاغتسال



قال الله تعالى :{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِ‌ۖ قُلۡ هُوَ أَذً۬ى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِى ٱلۡمَحِيضِ‌ۖ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَ‌ۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٲبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ}



قرأ حمزة و الكسائي و عاصم برواية شعبة : "يطَّهَّرن" بفتح الطاء و الهاء و تشديدهما بمعنى: يتطهرن بالماء و أراد الاغتسال لأنهن ما لم يغتسلن فهن في حكم الحيض في كثير من الأشياء.

قرأ الباقون : "حتى يطْهُرْنَ" بسكون الطاء و ضم الهاء و أراد به : حتى ينقطع حيضهن و يجوز أن يكون المعنى الأول لأنهن إنما يطهرن طهرا تاما إذا اغتسل



وقد اختلف الفقهاء في هل يجوز وطء الحائض إذا طهرت قبل الاغتسال؟

ذهب المالكية و الشافعية و الحنابلة إلى عدم جواز وطء الحائض إذا طهرت ما لم تغتسل أو تتيمم حيث يصح التيمم. و هذا القول أيضا من الزهري و ربيعة و الثوري و الليث و إسحاق و أبي ثور و عطاء و مجاهد و نسبه ابن قدامة إلى أكثر أهل العلم

و جمع الحنفية بين القراءتين فحملوا قراءة التخفيف على ما إذا كان انقطاع الدم لأكثر مدة الحيض- و هي عندهم 10 أيام- و قراءة التشديد على ما إذا كان انقطاع الدم لأقل من عشرة أيام. و قال الشيخ العيني: "قلنا: قراءة التشديد تقتضي حرمة الوطء إلى غاية الاغتسال و قراءة التخفيف تقتضي حرمة الوطء إلى غاية الطهر, وهو انقطاع الدم فحملنا قراءة التشديد على ما إذا كان الانقطاع لأقل من 10 و قراءة التخفيف على ما إذا كان الانقطاع لعشرة أيام, رفعا للتعارض بين القراءتين.



و البحث في هذا الموضوع كثيرة ولا بد لكل طالبٍ أن يقرأه و يفهمه بالاتقان.



والله أعلم

الفقير و المحتاج

أبو حنظلة محمد زهري بن كثير السنغافوري





مراجع و مصادر

1.المحاضرة و المناقشة فيأثر اختلاف القراءات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: http://www.islamfeqh.com/Radio/ViewLectureDetails.aspx?LecID=125&CatID=49

2. البحث في "القراءات القرآنية و أثرها في اختلاف الفقهاء" للدكتور إسماعيل شندي-أستاذ مساعد في الفقه المقارن بجامعة القدس المفتوحة- و الأستاذ تقي الدين عبد الباسط - مشرف أكاديمي غير متفرغ بجامعة القدس المفتوحة.

3. القراءات المتواترة الإصدار وأثرها في اللغة العربية والأحكام الشرعية والرسم القرآني للدكتور محمد الحبش-جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلاميةالسودان ـ أم درمان, http://www.way2jannah.com/vb/showthread.php?t=13037

4. كتاب المادة- مدخل إلى علم القراءات, جامعة المدينة العالمية (الدرس 5 و 7)