بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات و أشهد أن لا اله الا الله و حده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ولقد أدي الرسالة و بلغ الأمانة و نصح الأمة و تركها على المحجة البيضاء ليالها كنهارها و السلام على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
<< إن الإيمان ليس كلمة تقال باللسان وإلا لكان ألحن الناس بحجته أكثر إيمانا، ولكان الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم أظهرهم له فلابد إذن من البلاء الذي يكشف في عالم الواقع ماهو مكشوف في علم الله المغيب وليظهر الصبح لذي عينين ولكن هناك فرق بين البلاء العام والبلاء الخاص وبين قوي الإيمان وضعيفه . ناقش هذه القضية>>
قبل أن نبدأ لابد علينا أن نفهم بأن الموضوع و العنوان في هذه المنتدى واسع جدا و لا نستطيع أن نتحدث فيها تدقيقا. ولكن سأحول كما استطعت ان شآ الله
و علينا أن نفهم بأن لا يوجد شخص في هذه الدنيا، مهما كان، وبأي موقع حل، لم تصبه مصيبة، من مصائب الدنيا العديدة، أو لم يتجرع ألمها، ويشعر بثقل وقوعها عليه، مهما كان نوعها: صغيرة أم كبيرة، في النفس أو في الممتلكات، ولذا سمى بعضهم الدنيا بدار الاكدار، ومرتع المصائب ولكنها دار الابتلاء. فيبتلى الله الانسان في هذه الدنيا. و لماذا؟ وما حكمة فيها؟
أنواع البلاء
هناك أنواع من البلايا و يبتلى الله انسانا في بدنه مرة و في ماله يفقده مرة أخرى و في أهله أحيانا و في مجتمعه و الخ. المهم أن أنواع البلايا كثيرة جدا . هناك البلاء العام و البلاء الخاص. و قبل أن نتكلم فيها علينا أن نعرف بأن الله يبتلى كل انسان صغيرةً أو كبيرةً, فرديا أو مجتمعا, كبيرا أو صغيرا, زكورا أو أناثا ولكن هناك الفرق بين هل هذا البلاء عقابا أو هل هذا البلاء امتحانا.
و نعلم أن أصاب الله بعض بلاءٍ لأجل أيد الناس يعني حينما كثر الفساد و المنكر في الأرض فجعله الله سبابا لنزول البلاء و المصيبة و قال الله تعالى:
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) [ الروم: 41 ]
و أحيانا نتيجة من هذا البلاء هو التوبة مما أصاب به فصار من الراجعين الى الله و الذاكرين و عائدين الى الايمان الصحيح.(( وَإِذۡ نَجَّيۡنَـٰڪُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِى ذَٲلِكُم بَلَآءٌ۬ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٌ۬ ))
و أحيانا نتيجته هو الهلاك التام على الطاغيين و العاصيين كما سأل زينب بنت جحش رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه و سلم في البجاري: قلت يا رسول الله! أفنهلك و فينا الصالحين؟ قال: ((نعم إذا كثر الخبث)).
وللمسلمين البلاء هو الامتحان و الاختبار من الله و النتيجة منه هو الفلاح و الفوز و الزيادة في الايمان و التقوى.
العلاقة بين الايمان و البلاء
و الدنيا دار الابتلاء و الامتحان فعرفنا العلاقة بين الايمان و الكفر بها و عرفنا من الذي لا ينقض عهد الله تعالى.
قال الله تعالى:
((ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلاً۬ۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ))
((وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَىۡءٍ۬ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٍ۬ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٲلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٲتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ))
((وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ ))
و من هذه الآيات عرفنا أن البلاء هو آلة الامتحان للمؤمنين ولعلى الله جعلنا من الناجحين في هذا الامتحان.
و أيضا لا بد أن نعرف بأن البلاء ليس فقد النقص في الأموال و الأهل و غير ذلك بل أحيانا الزيادة في الأموال و الأهل و غير ذلك أيضا من البلايا. و كم من الناس ينسى الله لزيادتها فأصبحت هذه الأشياء فتنة لانسان. و قال : (( ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَـٰقِيَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابً۬ا وَخَيۡرٌ أَمَلاً۬))
و عرفنا مما قد زكرنا قبل قليل هناك العلاقة الرابطة القوية بين الايمان و البلاء. و الذين ينجحون في هذا الابتلاء سيكونون من الناجحين في الدنيا و الأخرة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( أول من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون الله في السراء و الضراء)) <الحاكم و قال صحيح على شرط مسلم>>.
و قال الله تعالى: أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ( ٢ ) وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَـٰذِبِينَ ( ٣ )
و قال أيضا: ((إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةً۬ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّہُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلاً۬ ))
إذن لا نستطيع أن نقول أنا مسلم حق قبل النجاح من هذا الامتحان.
ماذا فعل المؤمن حينما أصاب ببلاء و بمصيبة؟ و ما خصائص المؤمن في هذا الموقع؟
ولقد عرفنا من القرآن و الأحاديث خصائص المؤمن و صفاته حينما أصابه ببلاء و مصيبة. و منها كما تالي
1. عنده التوكل التام
كما رأينا في قصة رسول الله ابراهيم عليه السلام حينما ألقي في النار. و عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ((حسبنا الله و نعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار....)) و في رواية قال: كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: حسبي الله و نعم الوكيل)). فعلى الإنسان أن لا يخاف في الله لومة لائم و أن لا يخاف الا الله.
2. الرجوع الى الله و الاستعانة بالله
و من أحسن الأمثال هو قصة زوج فرعون حينما عرف فرعون بإيمانها فعذبها عذابا شديدا. فماذا فعلت هذه الامرأة الجليلة؟ فدعت الى الله : إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِى عِندَكَ بَيۡتً۬ا فِى ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِى مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ. و أيضا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((إذا استعنت فاستعين بالله )) و كما قررنا في سورة الفاتحة: <<إياك نعبك و إياك نستعين>>. فعلى الانسان إذا أصابه ببلاء أو مصيبة أن يستعين بالله و يرجع الى رب كل شيء ثم جعل الله له مخرجا من كل ضيق
3. المؤمن يستغفر الله و يذكر الله حينما أصاب ببلاء و مصيبة
و عرفنا ذلك من قصص عديدة و منها قصة ذي النون عليه السلام : وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِبً۬ا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَـٰنَكَ إِنِّى ڪُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ. و أيض قال نبينا صلى الله عليه و سلم : ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا و رزقه من حيث لا يحتسب))<أبو داود>. إذن على الانسان أن يذكر الله كثيرا و يستغفرالله عند مصيبة و بلاء.
4. أن يصبر عند مصيبة و بلاء.
و الصبر حبس النفس على 3 أمور: الأول: طاعة الله, الثاني: عن محارم الله, الثالث: عى أقدار الله المؤلم. و يبتلى الانسان في بدنه و في ماله يفقده و في أهله و في مجتمعه و الخ. المهم أن أنواع البلايا كثيرة جدا و تحتاج الى صبر و معاناة. و الانسان عند حلول المصيبة و البلاء له أربع حالات و هي: (أ) أن يتسخط ؛ (ب) أن يصبر ؛ (ت) أن يرضى ؛ (ث) أن يشكر. فالصبر على المصيبة بأنه يحبس نفسه و هو يكرهها و لا يحبها و لا يحب أن وقعت لكن يصبر نفسه و لا يتحدث باللسان بما أصابه و يفعل بجوارحه ما يغضب الله و لا يكون في فلبه على الله شيئ أبدا, يعني صابر لكنه كاره لها. و أما الثالث هو أن يكون منشرحا صدره بهذه المصيبة و يرضى بها رضاءا تاما و كأنه لم يصب بها و الدرجة الأولى هي أن يشكر الله عليها. و الني صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره قال: الحمدلله على كل شيئ. لعلى الله أن يجعلنا من الصابرين و المرضيين و الشاكرين.
والله أعلم
الفقير و المحتاج
أبو حنظلة محمد زهري بن كثير السنغافوري
No comments:
Post a Comment